نهر الفرات
ينساب بهدوء وبغضب أحيانا دون أن يعير إنتباه لحدود أو سدود رسم مساره منذ أن خلقه الله من الشمال إلى الجنوب كعاشق يبحث عن محبوبته يمر عبر ثلاث دول حفر مساره بين الصخور والجبال ونثر المحبة على جنباته خضرة وورود ورياحين
ذكر اسمه في الديانات والأساطير وانتشر بين الناس لتعرفه كل الناس إنه نهر الفرات الذي شكل هو ونهر دجلة الذي ينبع من نفس المنطقة حيث أن مابين منبعهما حوالي ال80 كم ليبتعدا عن بعضهما ثم يقتربان من بعضهما متوازيان يسعيان نحو نقطة واحدة ليلتقيا في شط العرب ويتحدان من جديد لأن المنبع واحد فإن المصب واحد ولعل هذا هو سر سعيهما كما قلنا كعاشقين يبحثان عن بعضهما ليلتقيا هناك في الجنوب لتتشكل بينهما بلاد مابين النهرين او مايسمى بشبه الجزيرة الفراتية وذلك لأن دجلة والفرات لهما إسم آخر هو الفراتان
على ضفاف الفرات
في بلاد مابين النهرين التي يحتضنها مع دجلة تشكلت أقدم الحضارات البشرية وانتشرت على ضفافه الحضارات والممالك كالحضارة الحثية والاكادية والسومرية والأشورية والبابلية ولن ننسى التدمرية ولا الآرامية كما الرومانية والفارسية وأخيرا الإسلامية هذه الحضارات التي لايزال العالم يبحث عنها وينقب عن آثارها نذكر من امكنتها التي اقيمت عليها من الشمال إلى الجنوب (كركميش ، بالس ، قلعة جعبر ، الرصافة ، توتول ، حلبية وزلبية ، قرقيسيا ، بقرص ، قلعة الرحبة ، ترقا ، دورا اوربوس ، تل الحريري ، عانة ، الأنبار ، بابل )
وقد قدمت للعالم الكثير ولاتزال تقدم وهي من أهم المناطق في هذا العالم على مر العصور لأنها كانت ولازالت في مركزه وعلى طريق الحرير ولايمكن ان نغفل عن الحاضرة الحديثة الاشهر الآن مدينة دير الزور عروس الفرات ومدن اخرى كالبوكمال والطبقة وغيرها من مدن الفرات
كما ان الفرات كان الحد الفاصل بين الكثير من هذه الحضارات وعلى ضفافه دارت الكثير من المعارم والأحداث التاريخية
-أصل الإسم:
هذا النهر الذي ارتبط اسمه بالعذوبة لأن كلمة فرات في اللغة العربية العربية الماء الشديد العذوبة وكان إسمه في اللغة الاكادية بوراتو وفي الأرامية بروت وفي الارمنية يبرات وفي اليونانية يوفراتز وفي العبرية بيرات وفي التركية فيرات وفي الفارسية فرات وفي الكردية فيرهات اما السومرية فقد أعطته إسم بورانون والبابليون اسموه بوراتم كما اطلق عليه اسم النهر الكبير والبحر ومكان العبور من بعض الشعوب ولم يصل احد إلى أصل التسمية ومن هم اول من اطلقوها عليه هل هم الفراتيون الأوائل كما يسمون وهم سكان القرى الفراتية التي سبقت كل الحضارات ام من لم يحسم أصل الإسم لكنه استقر بالنهاية ليصبح الفرات
- الفرات والديانات والاساطير:
لأن الماء أساس الحياة فهو مقدس ولذلك لاتزال كثير من الديانات ترتبط طقوسها بالماء ولعلنا لانستطيع اغفال تقديس الهنود للماء وتعميد النصارى بالماء وطقوص الصابئة المندائية التي تقدس المياه فالماء هو الحياة وفي القرآن قال الله تعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء/30 .
وقد ذكر الفرات في الإنجيل والقران كما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وقال عنه انه نهر من انهار الجنة ولم تغفل عنه كل الاساطير التي تدور على ضفافه ولا آلهة القدماء كما تغنى به الشعراء قديما وحديثا ممن عاشوا على ضفافه وشربوا من مياهه
هذا النهر العظيم الذي انتشر الخير والمحبة والحياة على ضفافه كان له فورات غضب تمثلت بالفيضانات التي دمرت الكثير من الممالك التي اقيمت حوله كما انه ابتلع الكثير من ابنائها بالغرق فيه فرغم الخير لابد ان يكون هناك شر هذه هي ثنائيات الكون والأضداد وتناقضاتها التي خلقها الله لتكتمل دورة الحياة ويبقى لنهر الفرات مخزون حب وذكريات حياة لمن عاشوا حوله وقصص واساطير وحكايا تحمل في طياتها الكثير معبرة عن العلاقة التي ربطت بينه وبين من عاشوا على ضفافه عبر التاريخ ولايمكن استيعابها بالكتب والمقالات لأنها حالة وجدانية تخص الفرات واهل الفرات نحاول القاء الضوء على جوانب منها لعلنا نستطيع التذكير بها والحفاظ عليها
بقلم : المهندس عبد التركي
#تراث_الفرات
تعليقات
إرسال تعليق