القائمة الرئيسية

الصفحات

الزراعة والثقافة في مناطق وادي الفرات

 


عندما سئل عالم الآثار "جوردون تشايلد" لماذا الإنسان في الألف العاشر ق.م لم يعرف بناء مسكنه فوق الأرض؟ أجاب: (لأن الثقافة لم تكن جاهزة بعد) فثورة العصر الحجري الحديث كانت فترة التغير الجذرية والمهمة التي بدء البشر فيها بتدجين الزراعة والحيوان من أجل توفير الطعام الكافي وتشكيل المستوطنات البشرية الدائمة

 وكان ظهور الزراعة العامل الأساسي والرئيس في فصل شعوب العصر الحجري الحديث عن أسلافهم من العصر الحجري القديم وهي ثورة حدثت لأول مرة في التاريخ على نهر "الفرات" في الألف العاشر قبل الميلاد

 كانت بوادر هذه الثورة تدجين الزراعة أو ما نسميه بالتحول الديموغرافي في مرحلة العصر الحجري الحديث وهي مرحلة قيام الثورة الزراعية التي تعني تحول واسع النطاق للكثير من الثقافات البشرية خلال تلك الفترة، وذلك من نمط الصيد والالتقاط إلى نمط جديد أطلق عليه العلماء نمط الزراعة والاستقرار الذي ساهم كثيراً بزيادة عدد السكان

وقد أشارت التنقيبات الأثرية إلى عدة أنواع من تدجين النباتات والحيوانات أنها قد حدثت لأول مرة هنا على "الفرات"، ثم في أماكن منفصلة في أنحاء شتى من العالم القديم وذلك قبل (١٢٠٠٠/ سنة من الآن، حيث قامت أول ثورة زراعية في العصر الحجري الحديث.

 لقد ساهمت الثورة الزراعية بإعطاء الكثير مما هو أكثر من مجرد تقنيات إنتاج الغذاء.. كانت الرحلة المعرفية للإنسان عبر آلاف السنين قد أدت إلى قيام مجتمعات مستقرة في قرى تجاوز عدد سكانها المئات مشيدة من مادة اللبن الطيني المجفف تحت أشعة الشمس على أساسات من حجر الدبش الغشيم تم ذلك في تل "المريبط" وفي أنحاء أخرى من بلاد الشام. كما أن هذه المجتمعات بشكل وبأخر بذلت جهوداً مضنية في السعي والبحث وعدلت نمط بيئتها الطبيعية بشكل ملحوظ وكبير عن طريق زراعة محصولات غذائية جديدة ومتخصصة، مع القيام بأنشطة أخرى كالري وتقطيع شجر غابات الدغل التي أمنت مساحات طيبة من الأرض تم زرعها بمحاصيل سمحت بإنتاج فائض من الأغذية إلى جانب تطورات ثانية منها تدجين الحيوان وصناعة الفخار وأدوات حجرية مصقولة وبناء مستودعات لتخزين الحبوب "الشونة وبناء البيوت المستطيلة.

وتحسين الزرا مثل هذه الانجازات والتطورات كثير من العلماء أطلقوا عليها" حزمة العصر الحجري الحديث"،، إن هذه التطورات المجتمعية ساهمت بشكل كبير بتكوين الأساس(للإدارات المركزية والهياكل السياسية، والإيديولوجيات الهرمية وأنظمة المعرفة كالكتابة والمستوطنات الزراعية المكتظة بالسكان).

 كما أنها وفرت الأساس في تقسيم العمل (المانيفكتورا) وفتحت الأبواب نحو العمل التجاري. كما كان هناك تطور ملحوظ في أشكال الفنون والهندسة المعمارية بما يتلاءم وروح العصر آنذاك وظهور مفهوم الملكية الخاصة

 وبشرت تلك المرحلة ببداية العصر البرونزي. وتبقى تلك الخصائص آنفة الذكر بعلاقة مع بداية الزراعة وتطورها التسلسلي في الظهور. هذه الخصائص كانت تختلف من مكان إلى آخر، بدلاً من أنها حصيلة قوانين شاملة للتطور الاجتماعي. كان المشرق (بلاد الشام) (الوحدة الحضارية في بلاد الشام، جاك كوفان. ت. قاسم طوير) أول حاضن لتطورات الثورة "النيلوتية" التي حدثت نحو*-10000 ق.م تلا بلاد الشام منطقة الهلال الخصيب وجبال كردستان ومناطق أخرى من العالم.. (د. سلطان محيسن، بلاد الشام في عصور ما قبل التاريخ).

 التنقيبات الأثرية أماطت اللثام عن أن الإنسان جمع الحبوب البرية وقام بطبخها بطرق بدائية ثم قام بأكلها منذ ما يقارب من/105,000/ عام. ومع كل هذا فإن استعمال المحراث والزراعة لم يحدثا إلا بعد مرور وقت طويل بدءً من منتصف الألف العاشر ق.م. وهو تاريخ بداية العصر الحجري الحديث.

 إشارات "أركيولوجية" تتحدث عن مجموعة من المحاصيل قد تم زرعها هي: القمح ذو الحبة المزدوجة، الحنطة وحيدة الحبة، الشعير بدون قشرة، البازلاء والعدس، الكرسنة وهي نوع من البقوليات العلفية، الحمص، الكتان، جميعها كانت تزرع في سورية الكبرى، وفي الصين زرع الأرز  في الألف السابع ق.م "6001", وتم زرع فول الصويا واللوبيا، وتم تدجين الأغنام في بلاد الرافدين وجبال كرد ستان سنة/11,000/ ق.م، وتم زراعة الذرة الرفيعة في سواحل أفريقيا عام/3009 ق.م/ وتم استئناس الجمل عام/3000 ق.م/, ثم تمت زراعة القطن في "البيرو" بحلول عام/4200 ق.م/ وتم زراعة الطماطم والفول السوداني مع البطاطس في جبال "الأنديز بأمريكا" ، وزرعت الذرة الصفراء في أمريكا الوسطى سنة/7000ق.م/.

 أما قصب السكر فتمت زراعته في "غينيا" الجديدة بحوالي عام/ 7000 ق.م/. تم زراعة الموز من نفس فترة زراعة قصب السكر في " بابوا غينيا الجديدة". أما في العصر البرونزي، يعلل عالم  الآثار" ج.تشايلد" قيام المدن والدول الأولى وما رافقها من سيطرة وهيمنة على الطبيعة أدى إلى تغير عميق في كافة مناحي الحياة وخاصة في الثقافة، كان ذلك حسب "تشايلد" يعود إلى اختراع المحراث وعربات القتال، حيث أصبح الإنسان في هذه المرحلة ينتج من الغذاء أكثر من حاجته

 حيث أصبحت الدولة تمتلك وسائل الإنتاج وتشرف على زراعة الحقول المروية بالري الصناعي وهيمنت الدولة على جميع مرافق الدولة من خلال القوانين التي يصدرها الحاكم والتي تتحكم بتأجير الأرض وتوزيع حصص المياه ( الفجرات) في القناطر والسواقي

 وقد افتخر ملكا دولتي "ماري وتوتل" على "الفرات" في أنهما شقا الترع والسواقي وجعلا دلاء الجر مهجورة في بلادهم حتى أن الملك "نبوخذ نصر" أطلق على نفسه "مراقب وساقي الحقول فلاح بابل". ولدى علماء الآثار رسالة موجهة من الملك " حمورابي "إلى الحاكم في توتول" الرقة"(سن أدينام) يقول له: دع الناس الذين لهم حقول على جانب قناة "دامانو" نفسها القناة التي حفرها الملك "حمورابي" من "دامان" غربي "السلحبية" وهي ذاتها القناة التي جددها "هارون الرشيد" ونطلق عليها اليوم اسم قناة "النيل"

و كان للزراعة أشكال متعددة في جميع أنحاء المشرق، فالرقم المسمارية التي عثر عليها في مدينة" توتول" الأثرية المغيبة في ثنايا تل "البيعة" قرب "الرقة" تفيد بأن الزراعة كانت متنوعة منها:

@-الزراعة المروية بالراحة

"سيحاً" وتسمى قديماً (Bitme)، وكانت الزراعة على ضفاف نهر "البليخ" تعتمد طريقة الري بالراحة وهي اليوم كما الأمس، وأهم المحاصيل التي كانت تزرع القمح والشعير والأرز والبقول والخضار مثل الكوسا والبازلاء، والعدس، والفول، والبصل والكتان، ومن المصطلحات التي ما تزل مستعملة ( الخور) المشتقة من كلمة (خيربتو) وهي لفظة قديمة وتعني:

(النهر المشتق من النهر الأصلي)  وكلمة السكر (Sakara) وتعني السد على النهر:

@- أما نوع الزراعة الثاني فهو الري الصناعي بواسطة "الدلو" ويسمى قديماً (Bitdalu) أو بالدولاب، و تتوضع هذه الزراعة في وادي حوض "الفرات" في المنطقة الممتدة بين مدينة "ماري" في الشرق ومدينة"كركميش" في الغرب، وعملية رفع الماء وضخها بالدلو تتم بضخ الماء,(عبارة عن وضع جذع شجرة طويل يتوازن من وسطه على نقطة ارتكاز حيث يكون الدلو في الطرف الأقصر وعلى الذراع  الأطول يضغط الفلاح فيصعد الدلو بجهد قليل ثم يفرغ في الساقية), كما استعمل الزراع طريقة الري بواسطة الدولاب الذي يديره ضغط الماء الجاري بواسطة الثور أو البغل أو الحمار، وكان القانون المعمول به ينص على أن حصة الفلاح هي الأكثر كون هذه الزراعة كانت تتطلب جهداً كبيراً

 وهناك زراعة تعتمد على الآبار بحيث يستخدم الدلو والبكرة (المحالة)، وكانت الزراعة هي مصدر الثروة في ذلك الوقت لذلك كان المساح المشرف على توزيع الحقول يعتبر المسؤول الثاني بعد حاكم المدينة.

 ومن الأدوات التي كان يستخدمها الفلاح، الفأس والمسحاة، والمحراث اليدوي، والمعول. وفي بلاد الرافدين ومصر ووادي السند في شبه القارة الهندية، الصين القديمة، بلاد الإغريق شهدت الزراعة قفزة نوعية، وخلال العصر الحديدي والعصر الكلاسيكي كان توسع وهيمنة روما مبنياً على أنظمة الزراعة التي كانت تعتمد على إنشاء نظام "مانورال" "Manorialism" هو نظام كان يركز على تنظيم الإنتاج الزراعي والحرفي الذي كان حجر الأساس للزراعة في فترة العصور الوسطى في كل من أوروبا والعالم الإسلامي، حيث تم تطوير عة عبر تقنيات محسنة.


  • بقلم : محمد العزو     
  • #تراث_الفرات












تعليقات