الفضاء الممتد من "جسر شنينة شرقاً حتى مفرق طريق ال/47/في "الحسكة" والذي يتجه شمال - غرب حتى "جبال عبد العزيز"، وصولاً "للخويرة" وأعالي "البليخ" في الشمال وصرين فعين العرب شمال غرب الرقة، وبادية الشامية في جنوب - غرب "الفرات"، هذه المساحة شبه المربعة تشكل بيئات جغرافية متباينة في أرض "الرقة"، وجزء من أرض "الحسكة"
وهذه البيئات تتأثر بنظم بيئية ومناخية متنوعة تتباين ما بين البيئة شبه الصحراوية وجفاف البادية وبين البيئة ذات الرطوبة الجيدة والسهول الخضراء التي شكلها نهري "الفرات" و"البليخ"، مما جعل منها موئلاً للتنوع الحيوي ، بغطائها النباتي المتقطع عديم الأشجار، وأعشابها الحولية قصيرة الأجل تنجز حياتها في بضعة أسابيع، نباتاتها المعمرة أليفة الجفاف، ومعدل الهطول المطري فيها سنوياً بحدود من * - 200-100مم، والحياة فيها كانت قائمة على الاستقرار الزراعي جزئياً، وعلى تنقل البدوي الغنام غير المستقر .. وتقوم حياة هذه المناطق في الزمن الماضي القريب على تربية الشاه والماعز في الأغلب، والزراعة غير المتطورة المروية منها والبعلية، ومنتوجات الألبان من لبن، وجبن، وزبدة التي كانت تشكل المصدر الرئيس لدخل الناس. وسنختصر حديثنا هنا عن عملية خض لبن " الشجوة " واستخراج "الزبدة" منه. فخض لبن "الشجوة" كان يشكل كنوز جداتنا في زمن سادت فيه الطيبة والأخلاق الحسنة، وخض اللبن الرائب ( الخاثر) بواسطة "الشجوة" هي من المهن القديمة القريبة التي عرفتها أرض "الرقة"
وكانت جداتنا وأمهاتنا يبذلن التعب والجهد لما يحتاجه خض "الشجوة" من وقت طويل وصبر ومجهود بدني تبذله الحبابة والأم، وفي أيامنا هذه ما زالت هذه العملية مستمرة لكن بشكل خفيف جداً عن طريق نسوة ما زلن يحتفظن بكافة تفاصيل وهوية مثل هذه المهمة الشاقة الممتعة بآن واحد .. و"الشجوة" مثل"الجربة" القربة مصنوعة من جلد الماعز أو من جلد البقر، وتأتي بأحجام مختلفة، فمالكي الأغنام الكثيرة تكون شجوة الخض عندهم كبيرة تليها المتوسطة فالصغيرة، جميعها تستعمل في خض اللبن الرائب ( الخاثر).. و"الشجوة" تصنع على النحو التالي @- بعد ذبح الشاة، يتم سلخ جلدها بإتقان وحذر، ثم يملح الجلد ويصبح ليناً ويتم أيضاً دقه بالملح وفرده كي تزال منه الشحوم ويترك لمدة أيام ثلاث ثم يُغسل ويأتون بعشبة جبلية تسمى "الغلقة"، تطحن بالنجر النحاسي ويتم فرك الجلد من الداخل بهذه العشبة وبعد مرور يومين يتطاير شعر الجلد ومرة ثانية يقلب الجلد ثم تستعمل مادة تسمى "القرض" أو "القرط" وتسمى أيضاً "اليازول"، وهو نبات مليء بالزيوت وتعتبر مادة مرطبة ومطرية تدق هذه المادة بالنجر النحاسي ويسكب عليها الماء ثم يوضع الخليط في" الشجوة" كي يدبغ الجلد وهي مرحلة الدباغة حيث يتم تماسك الجلد بشكل متين وبعد يومين يتم تنطيف "الشجوة" من مادة "القرض "أو" القرط، ثم تأتي مرحلة خياطة "الشجوة" أو خرزها إما بخيط من الجلد كما يتم في "الرقة" وفي الجزيرة الفراتية، او بخوص النخيل كما يتم في دول الخليج ومن ثم يستعمل "الملح" و"الياس" وهو نبات عطري، يتم فركه ب "الشجوة" ومن خواصه طرد رائحة "الدهون" و"القرط"، ثم يتم تعليقها وتعريضها لأشعة الشمس، فتكون بذلك "الشجوة" جاهزة للخض.. وللإجابة على سؤال كيف تتم عملية الخض؟، الطريقة التقليدية للخض كما شاهدناها لدى الخضاضات من أمهاتنا و"حباباتنا" الرقاويات. بعد حلب النعاج، يصفى الحليب في "الجدرية" باستعمال قطع من الشاش الأبيض النظيف، ثم يغلى بشكل جيد ويبرد بوضعه في إناءين، وما أن يصبح فاتراً حتى يوضع في إناء واحد وتضاف إليه "الخثرة"، ثم يغطى الإناء بإحكام، ويدثر بمادة قماش ثخينة، ويوضع في مكان مظلم، وفي اليوم الثاني مع بزوغ الفجر تقوم "الحبابة" أو الأم بسكب "الخاثر" في "الشجوة"، وتقوم بمسك المشبك بيديها، وتبدأ بخض "الشجوة" مع إضافة الماء حسب الحاجة بطريقة البعض لا يستحسنها، وهي قيام الخضاضة بفك رباط الشجوة بحيث يخرج الهواء وهو نفس الخضاضة ثم تقوم بعد وضع الماء بنفخ الشجوة بنفسها وربطها من جديد
أما عملية
الخض فهي تحتاج إلى الصبر، وتعتمد على قوة الخضاضة البدنية في الخض، حيث
أنها تقوم بنفخ "الشجوة" كما أسلفنا، وتضع الخضاضة عينيها على فوهة "الشجوة"
لتتأكد من تكون "الزبدة"، ويجب ان تكون الخضاضة ذات سمع جيد، فبمجرد
سماعها لخرخشة في "الشجوة" معنى ذلك ان اللبن جاهز، فتصب اللبن
في"الجدر" القدر، وتقوم بتصفية "الزبدة" بيديها ووضعها في
"ماعون" خاص، ومن اللبن يصنع "الهكط" بطبخه على الحطب، وكان
أهلنا يأكلونه مع التمر في الشتاء.. وبعد تفريغ اللبن" الشنينة' تنفخ
'الشجوة" ويوضع فيها قليلاً من الملح لتعقيمها. وأثناء عملية الخض كانت
الخضاضات يرددن الأهازيج الرقاوية أثناء قيامهن بخض اللبن، حتى أن بعضهن كن يضعن
أطفالهن في أحضانهن وفي نفس الوقت يقمن بخض الشجوة"، وكان الناس من أهالينا
يتناولون اللبن" الشنبنة" مع التمر. أما "الزبدة" فهي المادة
الدسمة لذيذة الطعم، وهي في المكون موجودة في الحليب، ومن خلال خض
"الخاثر" المتخمر يتم الحصول عليها من لبن الخض، إذ أن كثافة المادة
الدهنية أقل من كثافة مكونات الحليب الأخرى، فلذلك تطفو على سطح اللبن'
الشنينة" ويتم إزالتها باليد هذه هي الطريقة اليدوية التقليدية، اما الطرق
الحديثة فهي خارج نطاق حديثنا. وبعد عملية الخض ولم "الزبدة" باليد، تتم
عليها عدة عمليات، منها العصر باليد لإزالة الماء المتبقي فيها، وإعطاءها الليونة
والتماسك، وأغلب الأحيان تملح "الزبدة" لإعطائها طعماً مستساغاً ..
محمد العزو
تعليقات
إرسال تعليق