القائمة الرئيسية

الصفحات

كتبوا على الطين "الفراتي"


 


الكتابة والكتّاب والكاتب، ثلاثة مصطلحات عُرفت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة من الآن،ونحن نقول: رجل كاتب،والجمع حسب لسان العرب كتّاب وكتبة، والأكثرية تقول كاتبون
وأنّ حرفة الكاتب هي الكتابة، والمكّتب هو المعلم، وهو حسب ابن منظور«هو المكّتب الذي يعلم الكتابة)». "لسان العرب" لـ "ابن منظور"بيروت"دار لسان العرب" /1956/م،ص /217/

إنّ الكتابة أصلُ جميع الحضارات، ولهذا كان تاريخ فك رموز الكتابات المسمارية القديمة واحداً من أهم الموضوعات الحيوية، التي من شأنها فتح العلم التاريخي أمام الباحثين
ويعتبر الكاتب هو الذي اخترع الكتابة على الطين منذ عام /3200/ قبل الميلاد

ولعل أقدم مصطلح عبر عن معنى الكاتب هو المصطلح "UMBESAG" أو "UBISAG"
وهو مصطلح "سومري"
اما الاكاديون فقد عبروا عن معنى الكاتب بالمصطلح tupsharraوهذاالمصطلح يذكرنا بكلمة طبشور
التي تستعمل في العربية، ولكن اللغويون يقولون قد
 تكون فارسية أو هندية والله أعلم

وهناك مصطلح آخر يلفظ SINGA البروفسور"جان ماريه دوران
أستاذ اللغات الشرقية القديمة في جامعة السوربون كان في نهاية عام /1999/م منكب على ترجمة الرقم المسمارية في متحف "الرقة" الوطني التي تم العثورعليها في مدينة اكالتال تل الممباقة على الفرات" قال: «.. وهناك مصطلح آخر يلفظ "SINGA"، ويقول الباحث اللغوي "عامر عبد الله الجميلي" من العراق الشقيق: «. ومثل هذا المصطلح هو أحد أصناف الكهنة، فقد كان الكاتب عادة من بين الكهنة»
ويقول الجميلي" الكاتب في بلاد الرافدين"، "اتحاد الكتاب العرب"، "دمشق" /2005/م، ص /12/. يقول الكاتب المسماري كالخطاط والورّاق والمرقن والمدون والناسخ والمحبّر والمرقش. الخ. والكتابة المسمارية بأنماطها الثلاثة، التي هي العمودية، ويعبر عنها بالسومرية "Dish"، ثم الأفقية "Osh"، والمائلة "U"، وكان الكاتب في العهدين السومري والأكادي يعلم الطلاب في المرحلة الابتدائية التي كانت تسمى بـ"D.D.ME.ME"، وتعني حرفياً المرحلة الابتدائية، بعده ينتقل الطالب إلى مرحلة تعلم كتابة: "G.U.I" أو الألف والواو، والياء، أما المرحلة الثالثة، فكان الكاتب يعلم تدوين الأسماء، وهي المرحلة التي تدل على المعنى، كون أكثر الأسماء السومرية والأكادية تدل على الأسماء، حيث تصبح الصورة، وهي المرحلة السابقة على الكتابة رمزاً وتكاد   أن تكون صورة، فمثلاً في مرحلة التصوير نجد أنّ صورة السنبلة كان رسمها يدل عليها وحسب، ثم صار يدل على الحبوب، ثم على الزراعة بشكل عام، ثم صار يسمى كل الطبيعة، وفي الوقت نفسه يدل على الحقل، وبشكل أدق على الخبز، وإله الخبز هو "دجن"، إذ أننا قرأنا اسمه مدوناً في الرقيم المسماري الذي تم العثور عليه في "توتول"، "تل البيعة" بالقرب من "الرقة"، ولذلك الناس في أيامنا هذه، إذا ما شاهدوا قطعة خبز على الأرض التقطوها ووضعوها في مكان نظيف.. كانت المدرسة التي يُعلم فيها الكاتب الكتابة تسمى "دوبسار" أو"توفشارو" في "الأكادية" أي تفسير العربية، والاسمان يدلان حرفياً على الذي يحفر العلامات الكتابية على الألواح الطينية، وفعل سار يعني كتب، ثم أطلق فيما بعد على المعهد اسم "أدب ـ ربا"، ومنها أتت كلمة "أدب" و"اتي" كانت تعني بالأكادية كما في السومرية "دار الألواح". من دار الألواح هذه عثر المنقبون على مجموعة من العلامات المسمارية مدوّنه على ألواح من الطين على "الفرات" الأدنى، وهي نصوص مدينة "الوركاء" في الطبقة الأثرية الرابعة من أروقة معبد الآلهة "انانا" /3500/ قبل الميلاد. كانت بداية الكتابة المسمارية، كما جاء في قصة "أنيمر كار" الحاكم السومري مع سيد "أراتا"، حيث يقول "أنيمر كار": (. صنع "كاهن كلاب" الأعلى بعض الطين وكتب عليه كلمات كما لو كان رقيماً). إنّ تاريخ اختراع الكتابة المسمارية بدأ عملياً منذ نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، وقد مرت العلامات الكتابية هذه بعدة مراحل حتى وصلت إلى مرحلة نظام التدوين في عام /2800/ قبل الميلاد




وهذه المراحل هي:

*-المرحلة الصورية: وهي المرحلة الأولى في جميع الكتابات المشرقية القديمة، سواءً في بلاد الرافدين أو سورية، وتسمى كتابة ما قبل المسمارية، إذ كانت العلامات الكتابية عليها مرسومة بقلم مدبب الرأس يتم تحريكه على الطين الرطب، ثم يقوم الكاتب برسم الشيء المادي الذي يود التعبير عنه رسماً، فالسماء يرسم أمامها صورة السماء، والقدم قدماً، والمرأة مثلثاً وهكذا. وكانت العلامات المدونة على الرقم تسمى بالعلامات التصويرية، كونها تصور بشكل تقريبي الأشياء المادية.

*- المرحلة الرمزية: لاشك أنه لم تكن هناك عقبات أمام الكاتب، طالما هو يصور الأشياء المادية، لكن مهما كثر عدد العلامات الصورية أو قل فهو لا يستطيع بواسطتها التعبير عن كل ما يجول في خاطره من أفعال وأفكار، وإلاّ كيف يستطيع أن يعبر من المشاعر والحب والكراهية وغيرها من الأفكار المجردة، لذلك نرى الكاتب قد لجأ إلى الطريقة الرمزية، وكانت آنذاك ابتكاراً جديداً أضافه الإنسان إلى معارفه الجديدة، وهذه الطريقة تعني الرمز ببعض الأفعال والصفات والأفكار بكتابة أو رسم علامات صورية لأشياء ترتبط بتلك الأفعال والصفات والأفكار، مثل أنّ القدم كانت تدل على القدم كشيء مادي، أما الآن أصبحت ترمز إلى المشي والوقوف والذهاب والجري، والمحراث أصبح يرمز إلى الحراثة، كما أدمجت بعض العلامات الصورية مع بعضها للدلالة على معان جديدة، فمثلاً أدمجت علامة المثلث التي تدل على المرأة مع الجبل، لتركيب علامة جديدة تعني الخادمة، كون الملوك آنذاك كانوا يأتون بالإماء من سكان الجبال.

*-المرحلة الصوتية "المقطعية": وهي من أهم مراحل تطور الكتابة المسمارية وأكثرها تعقيداً، وقد تم فيها استعمال واستخدام العلامات المسمارية بالطريقتين الصورية والرمزية للدلالة على الأشياء المراد التعبير عنها من قبل الكاتب، ومع ذلك ظلَّت هذه العلامات قاصرة عن التعبير عن الكلام المحكي، أي اللغة كتعبير دقيق. لقد بدأ استخدام الطريقة الصوتية في وقت مبكر من تاريخ سورية والرافدين، وكانت أول خطوة نحو استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة قد استخدمت، في كتابة الكلمات المتشابهة لفظاً مثال على ذلك، كانت هناك علامة تستخدم للتعبير عن "الثوم" وكانت تقرأ بالمصطلح "سُم"، "sum" بالسومرية وتعني "ثوم"، ومرة أخرى تعني عندهم أيضاً فعل ذهب وبنفس اللفظ، وهكذا نجد أنّ الكاتب استعمل نفس العلامة بالمعنيين المختلفين. مرة للدلالة على الثوم، ومرة أخرى للدلالة على فعل ذهب. وهكذا تطورت المرحلة الصوتية تطوراً تاريخياً كبيراً وظلت هذه الكتابة مستخدمة حتى بداية ظهور المسيحية. هذا وقد عثر الآثاريون في مواقع عديدة من منطقة "الرقة" على مثل هذه الأنواع من أشكال الكتابة المسمارية، وتبين أنّ الكاتب بالخط المسماري السومري والأكادي، قد استخدم إلى جانب المسمارية، الكلدانية والآرامية، وخاصة في العصر الآشوري المتأخر، ونضرب مثلاً على ذلك النصوص الأشورية والآرامية المنقوشة على أسود "أرسلان طاش"، التي كانت معروضة في "الرقة "ضمن سياج حديقة "الرشيد" وفي متحف "الرقة" الوطني.


المراجع:

1ـ "دوبلهوفر، أرنست"، "رموز ومعجزات"، ت: د. "عماد حاتم"، طبع "دار علاء الدين"، سورية "دمشق" /2007/م.

2ـ "لوكاس، كروستوفر"، "حضارة الرقم الطينية"، ت: "يوسف عبد المسيح ثروت"، ط: "دار الحرية"، "بغداد" /1990م

محمد العزو



 


تعليقات